فوجئ السوريون باعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب القوات الروسية من سوريا، وانتظر الاعلام السوري لدقائق قبل بث الاعلان كخبر عاجل. كان الاعلان من موسكو شديد الوقع على السوريين بمن فيهم المسؤولين، وبدت التكهنات وعلامات الاستفهام كبيرة عما جرى وتداعيات القرار ومداه، وانتظر السوريون ثلاثين دقيقة لتوضح الرئاسة السورية بعض التفاصيل والظروف، لجهة أنّ الأمر متعلق بنجاح العمليات العسكرية واتساع رقعة المصالحات، وأنّه مقتصر على تخفيض عديد القوات الروسية.
ساعتان ضجّت خلالهما القنوات الفضائية بالتحليلات حول الرسالة الروسية ومغزاها، وأصبح السوريون في وضع محير لجهة تفسير تزامن توقيت الإعلان مع بدء محادثات جنيف ومكان اعلانه من موسكو وليس من دمشق، علمًا أنّه لو أعلن من سوريا لكان وقعه اقل بكثير على السوريين. إلا أنّ الرئاسة السورية عادت وأكّدت من جديد متانة الحلف مع روسيا واستمرار الطرفين بالتعاون في مكافحة الارهاب، ثمّ أتي اعلان القيادة العامة للجيش السوري والقوات المسلحة ليعزّز ذلك، من خلال شكر القوات الروسية ومواصلتها القتال للقضاء على الارهاب.
وبحسب مصادر مطلعة، فإنّ الوقائع تؤكّد أنّ موسكو لم تعلن يوماً انّها ستستمرّ في عملياتها القتالية على الأراضي السوريّة الى ما لا نهاية، بل وضعتها في اطار دعم القوات السورية في حربها ضد الارهاب وفي اطار زمني معيّن كانت قد حددته سابقا بأربعة اشهر، ومن بعدها تركته رهنًا بالمستجدات.
وتلفت المصادر الى ان الوقائع الميدانية توضح ان التوازن على الارض يميل لصالح القوات السورية، وفي ظل وقف العمليات القتالية المحصّن بقرارت مجلس الامن، فإنّ الجبهة الوحيدة التي لا تزال مفتوحة هي الجبهة الشرقية التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، وستستمرّ القوات الروسية بدعم الجيش السوري في قتاله هناك، اذ لا مؤشر لسحب سريع للقوات الروسية المتواجدة حول تدمر والتي اطلقت مع القوات السوريّة عملية واسعة النطاق في المنطقة، ونفذت بالامس اكثر من مئتي غارة على مواقع التنظيم المذكور، في حين احرزت القوات البرية تقدما كبيرا ترفض حتى الان الاعلان عن كامل تفاصيله.
وتوضح المصادر لـ"النشرة" ان المؤشرات الفعليّة ستكون ببدء سحب عدد من الطائرات الحربيّة من مطار حميميم، وستعرض على الاعلام في احتفالية ومراسم عسكرية وداعيّة.
لاشك ان الاعلان يدخل في سياق المستجدّات الاخيرة الضاغطة لإيجاد حل للازمة السورية، حيث باتت كل المؤشرات تؤكدد ان واشنطن وموسكو اتفقتا على الحل وان التنفيذ يحتاج الى خطوات عملية. فالرهان على الوقت لم يعد مقبولا وانتصار طرف على اخر ممنوع، فالرئيس الأميركي باراك اوباما يفيده الحل لاستثماره في الانتخابات الأميركية، في حين أنّ روسيا تعاني اقتصادياً واستمرار الحرب يستنزفها. لذلك، فإن الخطوات تدرجت بسرعة بعد فشل الجولة الاولى من محادثات جنيف واتخاذ القرار 2268 في مجلس الامن لوقف العمليات العسكرية، تبعته رسائل لكل الاطراف بدأت بمواقف الرئيس الاميركي تجاه السعودية وما يشكل تحذيرات جدية ومطالب اميركية واضحة بوقف دعم المجموعات المسلحة والتعاون مع ايران. هذه المؤشّرات التي لم تتوقّف، تبعتها خطوة عملية اخرى كانت بغارة نفذتها القوات الاميركية على ما يعرف بوزير دفاع تنظيم "داعش" عمر الشيشاني المطلوب رقم واحد لدى موسكو والتأكد من موته.
على الجانب التركي، وضعت القوات التركية بمواجهة الاكراد وشهدت العاصمة التركية اعنف تفجير واعلنها الرئيس رجب طيب اردوغان بقوله: "وصلنا حريق المنطقة. على جانب المعارضين، تلقوا تحذيرات واضحة وشديدة عنوانها "ممنوع الانسحاب، وممنوع إفشال المؤتمر". على الجانب الروسي خطوات اخرى ورسائل للحليف. سقطت طائرة حربية سورية في حماه تبين وفقا لاعلان وزارة الدفاع الروسية انها اصيبت بصاروخ محمول على الكتف وهو تطور يعني الكثير لموسكو ولمجريات العمليات العسكرية، اذ ان وصول هذه الصواريخ ليد المسلحين يعني فقدان الغطاء الجوي.
في الختام، يؤكد مسؤول سوري رفيع المستوى ان "لا شيء سيتغير ميدانيا بعد سحب القوات الروسية"، لكن من المؤكد انه لولا اقتراب الحل واستعجال العرّابين له لما شهدنا هذه التطورات السريعة، ومن يراقب ما يجري في الرقة مؤخرا من مواجهات بين تنظيم "داعش" والاهالي والمواجهات بين السكّان وجبهة "النصرة" في إدلب يدرك اننا في مرحلة جديدة قد تصل الى نهاية الازمة السورية ووقف الحرب.